مع عجوز بني إسرائيل والهمة العالية
الحمد لله الذي يرفع بالهمة من شاء إلى بلوغ القمة ، والصلاة والسلام على أمضى الناس عزيمة ، وأقوى الخلق إرادة ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه ، أما بعد :
إن الهمم العالية كنوز غالية يمتن بها المنان على من يشاء من بني الإنسان ، فطوبى لمن أولاه مولاه تلك الهمة العالية والعزيمة الوثابة والإرادة الماضية ، فما آفة المحق إلا التردد والتذبذب ، والتخاذل والفتور ، والرضا بتوافه الأشياء ومحقرات الأمور !
والمتتبع لنصوص الوحي الشريف ، يرى كيف أن هذا الدين القويم يربى في قلوب أتباعه تلك الهمم لتصل بهم لعالي القمم ومعالي القيم ، فإذا سألتم الله الجنة ، فاسألوه الفردوس الأعلى ! فهل تأملت هذا الدرس ؟ وربيت به النفس ؟
روى أبو يعلى الموصلي في مسنده وعنه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني وقال: إنما هو على شرط مسلم وحده ، عَنْ أَبِي مُوسَى , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَتَى النَّبِيُِِِِِِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَعْرَابِيّاً فَأَكْرَمَهُ ، فَقَالَ لَهُ : (ائْتِنَا ) فَأَتَاهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم
سَلْ حَاجَتَكَ )، قَالَ : نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : (أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) قَالُوا : يَا رَسُولَ الله ، وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟!، قَالَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ : إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللهِ أَنْ لاَ نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا ، قَالَ : فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ ؟ قَالُوا : عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ ، فَقَالَ : دِلينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قَالَت : حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي ، قَال : ومَا حُكْمُكِ ؟ قَالَتْ : أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا ، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةِ مَوْضِعِ مُسْتَنْقَعٍ فِي مَاءٍ ، فَقَالَتْ : أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ ، فَأَنْضَبُوهُ قَالَتْ : احْتَفِرُوا فَاحْتَفَرُوا ، فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الأَرْضِ إِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ.) أعنُز : جمع عنز
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة": ( فائدة ) كنت استشكلت قديما قوله في هذا الحديث " عظام يوسف " لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح :" إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما ." أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن ، قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك ؟ قال : بلى فاتخذ له منبرا مرقاتين " .أخرجه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم .فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون " العظام " ، و يريدون البدن كله ، من باب إطلاق الجزء و إرادة الكل ، كقوله تعالى *( و قرآن الفجر )* أي : صلاة الفجر
فزال الإشكال و الحمد لله ، فكتبت هذا لبيانه .
دروس وعبر من هذا الحديث
(1)1: إكرام الضيف (حق الضيف)
لنا وقفة مع كرم الأعرابي لرسول الله فإكرام الضيف من أخلاق الإسلام ومن أخلاق رسول الإسلام وفي الحديث عند البخاري ومسلم ( ..... فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِم وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ......)وعلم رسول الله أصحابة إكرام الضيف فروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ » وهنا يربط بين الإيمان بالله وبالآخرة وبالثواب والجنة وبين إكرام الضيف،
وتعلم الصحابة هذا الخلق من رسول الله
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ إِنِّى مَجْهُودٌ . فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِى إِلاَّ مَاءٌ . ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِى إِلاَّ مَاءٌ . فَقَالَ « مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ » . فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَكِ شَىْءٌ . قَالَتْ لاَ إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِى . قَالَ فَعَلِّلِيهِمْ بِشَىْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِى السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِى إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ . قَالَ فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ . فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِىِّ فَقَالَ « قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ » . باتوا جياعا لإكرام ضيف رسول الله
ولا يفوتنا أن بيوت النبي وهو خير البشر ما فيها من زاد إلا الماء ولو أراد لامتلأت من الخيرات وهو يستطيع أن يجلب الدنيا كله إلي بيته .
(2) : رد الجميل
نتعلم رد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان وذلك من قوله { ائْتِنَا - سَلْ حَاجَتَكَ }عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ « مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ » . أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن حبان في صحيحه و الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وكذا الألباني والبيهقي و أحمد و أبو نعيم في الحلية